بين ثورتين

رغم أن المجتمع المصرى أثناء ثورة 1919 كان محافظاً أكثر منه فى 2011 ورغم أن معدلات الجهل والفقر كانت أكبر إلا أن أحداث ثورة 1919 و نتائجها كانت افضل بمراحل من نظيرتها يناير 2011 التى مر عليها خمس سنوات لم تشهد البلاد فيهم أثراً إيجابياً لها بينما يمكننا القول أن بعض نتائج ثورة 1919 مستمرة إلى الآن رغم مرور أكثر من تسعين عام على أندلاعها .

كان المجتمع المصرى أكثر وحدة وتماسك فرجال الدين على أختلاف إنتمائتهم فى المساجد والكنائس دعوا إلى الثورة على المحتل فى لحمة أستمرت آثارها حتى منتصف القرن الماضى عندما وقف أحد رجال الدين المسيحى على منابر مساجد بورسعيد مطالباً الأهالى بالدفاع عن المدينة أثناء العدوان الثلاثى ، أما ثورة يناير فلقد أحدثت شرخ فى المجتمع حيث قطع أهالى أحد مدن الصعيد السكك الحديدية إعتراضاً منهم على تعيين محافظ قبطى لمدينتهم بينما قام الأسلاميين بمظاهرة حاشدة لتأييد السلطة العسكرية التى تولت الأمور بعد سقوط مبارك فى أعقاب أحداث ماسيبرو التى راح ضحيتها الكثير من المتظاهرين الأقباط المطالبين بحقهم فى بناء دور العبادة وحمايتها مثلهم مثل المسلمين !

الخوف من وصول الأخوان إلى الحكم مرة أخرى يسيطر على أى حراك معارض للسلطة

الخوف من وصول الأخوان إلى الحكم مرة أخرى يسيطر على أى حراك معارض للسلطة

المرأة المصرية خرجت فى ثورة 1919 إلى الشارع مطالبة بالحرية لبلادها فى الوقت الذى كان لا يسمح لها فيه بالخروج من بيتها أصلاً إلا بأذن صعب المنال وفى الوقت الذى كان ذهاب الفتيات إلى المدارس حينها أمر نادر وغير مرحب به فى المجتمع ، أما بعد ثورة يناير فلقد سيطر اليمين الدينى على البرلمان وأنتشرت دعوات فرض الحجاب على كل النساء وعلى القبطيات الأمتثال إلى الأوامر أو حلق رؤوسهن بالكامل ، مثل هذه المطالب التى وجدت لها صدى مرحب بها فى أوساط الطبقات الشعبية والكثير ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى المتعلمة !

نتائج ثورة 1919 كانت حصول مصر على الأستقلال من أنياب بريطانيا أقوى دولة فى العالم آنذاك وكتابة دستور 1923 أحد أفضل الدساتير التى حكمت مصر على مدار تاريخها وظهور طبقة من المثقفين تأثرت بالخارج وأثرت إيجابياً فى المجتمع لسنوات طويلة ، أما ثورة يناير 2011 فأنتهت بوصول اليمين الدينى إلى الحكم 2012 وإنقسام المجتمع ما بين مؤيد ومعارض وظهرت مجموعة من رجال الدين أثروا سلباً فى المجتمع حيث أتهموا كل معارض بمعارضة شرع الله والسعى إلى نشر القيم الغربية التى لا يذكروا منها إلا الحرية الجنسية فقط !!

التشافى من الصدمة التى أصابت المجتمع المصرى من حجم التعصب الدينى الذى كان مقيداً بقبضة الأمن الحديدية وأنفلت مع أنهيار هذه القبضة سيأخذ وقتاً طويلاً سيقاوم فيه الكثير أى حراك مطالب بقيم الحرية والكرامة والعدالة خوفاً من وصول من تم إقصائهم فى يونيو 2012 وظهيرهم إلى المشهد مرة أخرى وسيعانى المجتمع بصمت من توابع الحكم الأستبدادى الذى سيحافظ على وجود البديل الدينى المتشدد لكى يضمن تأييد كارهيه قبل محبيه ، يبقى أن نذكر أن الأخوان لم يكونوا قد خرجوا بعد إلى الوجود أثناء ثورة 1919 !

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>