أبو قردان يستعد للرحيل

أبو قردان

صورة لطائر أبو قردان أثناء موسم حصاد الأرز العام الماضى

فى إحدى أغنيات شادية التى تغنت بها فى خمسينيات القرن الماضى قالت عن القرية المصرية ( لولا القرية ما كان فى مدينة )

ولكن هذه الأغنية الآن أصبحت جزء من التراث المصرى مثلها مثل الفلاح المصرى الذى يملك تراث لا قيمة له فى الزراعة بعد أن أصبحت مهنة غير مُجدية أقتصادياً بفعل عقود طويلة من السياسات الحكومية الفاشلة التى فى النهاية جعلت من الفلاح بعد أن كان يوماً ما يؤمن حاجة الأمبراطورية الرومانية من القمح المصرى إلى مستهلك للخبز المخبوز من القمح المستورد .

الآن أصبحت القرية و أهلها لا يستغنون عن المدينة بل أن القرية بدأت تتحول شيئاً فشيئاً إلى مدينة صغيرة توجد بها مساحات خضراء تكافح الزحف الأسمنتى الذى يكاد يخنقها بعد أن كانت متنفس و منتج للغذاء فى نفس الوقت بفعل هجرة أصاحبها المؤقتة إلى الخليج العربى لجنى المال اللازم لبناء بيت كبير يجمع العائلة التى يجب أن تظل داخل حدود القرية حتى و إن ضاقت بأهلها و أصبح الرزق فيها شحيح .

و رغم زيادة السيولة النقدية فى مجتمع القرية بفعل الأموال المحولة من العاملين فى الخليج إلا أنها ظلت لفترة طويلة تستثمر فى مشاريع تجارية و خدمية هذا أن فكر صاحبها فى الأستثمار أصلاً حتى يجد لنفسه عمل عند عودته إلى قريته فيشترى  محل يبيع فيه المنتجات المنزلية المستوردة من الصين بعد أن كان يعتمد على خامات البيئة المحلية و مخرجات العملية الزراعية فى صنع أدوات و فرش المنزل ، أو يشترى سيارة أجرة لخدمة أهالى القرية فى السفر الطويل  أو يفتتح بقالة يبيع فيها منتجات الألبان و اللحوم المستوردة من المدن الصناعية بعد أن كانت القرية مصدّر لها ، أى أن مشروعه بالنهاية لا يحمل أى قيمة مضافة . 

للأسف أصبحت القرية مكان شبه مزدحم و بدلاً من البيوت الطينية التى كانت من دور واحد أصبحت البيوت أسمنتية متعددة الأدوار حتى أنك إذا أردت النظر إلى السماء من النافذة عليك البحث عنها من بين كتل الأسمنت بعد أن كانت السماء يوماً ما أكثر قرباً و أتساعاً فى الريف عنها فى الحضر .

أما الحكومة فيبدو أنها تدعم الوضع الحالى بمزيد من القرارت و القوانين بدايةً من خفض دعم الأسمدة و التقاوى التى أصبح سعر الحكومية منها يكاد يكون هو نفسه السعر فى السوق الحر نهايةً إلى القرارت المؤثرة فى سعر بيع المحاصيل الزراعية التى تعمل دائماً على خفض أسعارها بدعوى التخفيف عن كاهل المواطن الكادح مما يجعل العملية الأنتاجية لا تحقق الربح المجزى فيؤدى هذا بالنهاية إلى تبوير الأرض الزراعية و بيعها كأرض مبانى بالمتر و رغم القوانين التى تجرم هذا الفعل إلا أنها أصبحت تتجه فى الفترة الأخيرة إلى فرض غرامات مالية على المخالفين بدلاً من إزالة التعدى على الأرض الزراعية .

إلا أنه ظهرت فى السنوات الأخيرة بمبادرة من شباب يعيش فى الحضر بعض المشورعات الصغيرة التى تهدف لإنتاج المنتجات اليدوية المصرية القديمة مثل الحصير و الأوانى الفخارية و المفارش الفلاحية من باب إحياء التراث المصرى و تشجيع العودة إليه كما بدأت تنتشر بعض المشروعات الصغيرة لشباب من أهل الريف أنفسهم مثل حظائر صغيرة لتربية الماشية أو إعداد منتجات الألبان و عسل النحل و الخبز فى المنازل و بيعها فى سوق القرية الأسبوعى أو بالطلب باقى ايام الأسبوع ، و لكن تظل هذه المشروعات نتاج للضغط الأقتصادى و ليست ثقافة قديمة يعيد الفلاح أكتشافها ، فتاريخياً ثبُت أن الفلاح المصرى كان يأخذ معه أدوات الزراعة إلى القبر حتى يزرع قوت يومه فى الجنة التى كانت فى عقيدته مكان عمل و نعيم فى الوقت نفسه .

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>