على باب الآخرة

مقبرة أحد نبلاء الفراعنة

قام من ثباته الطويل ينفض عن جسده المحنط أتربة آلاف السنين المتراكمة ينظر حوله ويتذكر ما حدث له قبل الموت مباشرة، ثمة أصوات مختلطة من الصراخ والأستغاثة بالآلهة بينما قارب البردى الكبير الذى أستقله قد أصبح عاليه سافله وبعض رفاق طريقه يقاومون تيار النيل القوى للوصول إلى حزمة قش يتعلقون بها لعلها تنقذهم من الغرق قبل أن تنهار مقاومته ويشده تيار المياه العذبة الثقيلة إلى قاع النهر الذى طالما رقدت فيه أجمل فتيات الوادى حباً للنيل وطمعاً فى خير فيضانه.

قام من ثباته الطويل يتحسس جسده السليم الذى يبدو أن الأطباء والكهنة حنطوه جيداً بعد أن أنتشل الأهالى جسده الغارق فالمصرى معروف بحرصه على نظافة النهر وطهارته خوفاً من غضب أوزوريس رئيس محكمة يوم القيامة، تذكرهُ لأوزوريس ومحكمته جعله يبحث فى مقبرته عن المركب الذى سيقله إلى العالم الآخر فلم يجده ولم يجد أدوات الزراعة والأوانى أيضاً، غاص قلب الرجل فى صدره وعاتب الآلهة التى أنقذت جسده لتعذبه دنيا وآخرة وهو الفلاح المطيع لفرعون الذى يزرع الوادى بالقمح بعد الفيضان والعامل البانى لهرمه ومعابده بعد الحصاد!

قام من ثباته الطويل مهرولاً للخروج من قبره الذى أكتشف أن اللصوص قد كسروا مدخله وسرقوا فأساً كان سيزرع به جنات نعيم الآخرة ليجد على باب القبر شاب غريب فى أنتظاره يبدو من مظهره أنه مات غريقاً هو الآخر فسأله فى جزع عن من سرق مقبرته ليعترف الشاب فوراً بأنه اللص الذى سرق محتويات المقبرة طالباً منه الصفح الذى يحول بينه وبين الجنة التى سيحرم منها بسبب فعلته التى لجأ إليها فى لحظة ضعف وطمع فى حفنة من العملة الخضراء الثمينة.

قام من ثباته الطويل متمتعاً بنفس قوة الشباب فوجه لكمة غاضبة إلى وجه اللص الذى عاتبه قائلاً أنه لن يضيره الصفح عنه فى شئ فهو فى النهاية وثنى كافر ومكانه محجوز فى الجحيم أما هو فهو المؤمن الذى أبتلعه البحر الغادر عند هروبه إلى ضفته الأخرى طلباً للرزق، فرد الكافر عليه متعجباً وهل توقف النيل عن أرسال خيره لكم حتى تهرب؟!

رد اللص قائلاً أن كنت أنا أسرق الأموات فقط فهناك من يسرق الأحياء الذين حالفنى الحظ وغادرت عالمهم سريعاً!

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>