مشهد 44 التحرير أول مرة

الزمان الساعة الحادية عشرة و الرُبع صباحاً و المكان أحد ميادين شرق القاهرة فى حى يقطنه منتمين للطبقة المتوسطة ، ميدان كان منضبط نسبياً قبل أن يحتله الفوضوين فأقاموا موقف سيارت نقل جماعية تتصدره عربة فول تقدم خدماتها نهاراً فقط لرواد و سائقى الموقف الصغير ، أما الأجواء فكانت حارة رطبة و غائمة بسبب السحب الكثيفة التى غطت سماء القاهرة فى آواخر أيام الصيف الأسوأ على الإطلاق الذى رفض الرحيل قبل أن يطبع فى ذهنى هذا المشهد الغير معتاد .
بينما أنا فى إنتظار سيارة العمل لبدء رحلتى اليومية من شرق إلى جنوب القاهرة مروراً بجوار ميدان التحرير و فوق جسر يعبر نهر النيل أجمل مافى الرحلة ، وقفت بالقرب منى و من عربة الفول سيدة يبدو على ملابسها الأحتشام و الذوق و العملية فى نفس الوقت فكانت ترتدى بنطال و اسع و حذاء رياضى خفيف يبدو أنها قررت الأنتظار فى حماية زبائن عربة الفول المنهمكين فى الأكل وقوفاً كعادة المصريين فى أكل الفول ، و مرت بجوارنا إمرأة أربعينية ترتدى تنورة ضيقة و قصيرة بفتحة من الأمام من النوع المنقرض منذ آواخر الثمانيات عندما كان من المعتاد أن تسير النساء بأرجلها عارية أو مغطاة بجورب نيلون و لكن التنورة القصيرة أصبحت شىء غير معتاد فى الوقت الحالى و رغم أنتشار التحرش فى الآونة الأخيرة إلا أن السيدة مرت بسلام من وسط الشباب الذى يسيطر على الموقف العشوائى رغم سمعتهم السيئة بحسب كتاب الدراما المصرية و لم يعكر صفو مرورها الآمن إلا رجل كبير فى السن يسير بمساعدة عكاز يساعده على حمل جسده المثقل بكرش عريض نظر بتركيز على أقدامها العارية رغم أنه من المفترض بحكم سنه الأعتياد على مثل هذا المشهد منذ شبابه قبل أن يحذف مؤخراً من حياة المجتمع المصرى .

على بعُد بضعة أمتار من الموقف شابين أحدهما يقف على الرصيف و الآخر يجلس فى الكرسى الخلفى لسيارة صديقهم اليابانية الجديدة يقومون بتوجيه النصائح له الذى يبدو عليه حداثة العهد بالقيادة و المعاناة فى محاولاته لصّف السيارة بجانب الرصيف ، أكثر من خمس دقائق من المحاولات الفاشلة سواء من سائق السيارة أو لمن يقدمون له النصائح لتقوم السيدة المنتظرة بجوارى بعبور الطريق لمساعدة الثلاث شباب فى مهتهم ، قامت بنقر زجاج السيارة برفق داعيةً قائدها الشاب بالأنتباه لها و تجاهل الآخرين ، و بالفعل أنتبهت كل جوارحه لمن أرسلتها السماء له فى مثل هذا اليوم الحار لتنهى فى دقيقة معاناته و تنجح فى مهمة أرشاده لصّف السيارة ليصفق لها بحماس رفيقه الواقف على الرصيف و يشكرها بأبتسامة شكر المعروف الكبير صاحب السيارة الجديدة الذى يبدو أنه سيعانى كثيراً فى مهمته الجديدة فى ظل فوضى شوارع القاهرة ، و عند عبورها الطريق لتعود لمكانها الأول أستوقفت حافلة عامة تحمل رقم 44 المتجهة إلى التحرير و بخفة و رشاقة تجرى للصعود من الباب الخلفى الذى زاحمها عليه الرجل صاحب العكاز ذو الكرش العريض لتدعه يستقل الحافلة قبلها فى إشارة أخرى لطبيعتها التطوعية لمساعدة الآخرين و إفساح الطريق لهم لتتحرك الحافلة بينما هى واقفة على حافة باب الخلفى المفتوح متشبثة بقوائمه كى لا تقع فى أنتظار دخول العجوز ثقيل الحركة لداخل الحافلة .

صورة بوسطة هاتفى لميدان التحرير ظهر يوم 29 يناير 2011

صورة بواسطة هاتفى لميدان التحرير ظهر يوم 29 يناير 2011

أنتهى المشهد الذى حدث بالفعل إلا أنه حمل إشارات إيجابية و سلبية عن ميدان التحرير القاسم المشترك بينى و بين بطلة المشهد فالشباب بطل فيلم يناير أصبح دورهم ثانوى فى المشهد الراهن لأنه لا يعرف فن القيادة و كبار السن و دورهم فى إفشال الثورة و رغم هذا الأمل الذى لا يزال موجود ممثل فى بطلة المشهد البشوشة التى رغم الجو الحار و التلوث و الفوضى كانت قادرة على صنع الإيجابيات فى الشارع مع الغرباء و ليس فقط فى بيتها مع الأقرباء .

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>