بالقرب من المتحف المصرى حيث ترقد مومياوات الفراعنة العظام و بقصد أو بالصدفة كان ميدان التحرير هو مسرح ثورة هدفها مواطن ينعم بالحرية و يحيا بالعدل بالقرب من موقع ترقد فيه جثامين من حكموا البلاد منذ عهود طويلة ، قد لا تكون عهودهم عهود حرية و لكن بالعدل صنعوا حضارة عظيمة تكشف كل يوم عن جديد .
و لكن آخر ثورات المصريين لم تحقق ما خرجت من أجله بفعل فاعل قديم أخباره منقوشة على جدران المعابد ، يبدو أن قلة فقط هى التى ذاكرت درس التاريخ يوم أن قام أخناتون بثورة من أجل أن يحطم الشعب أغلال الولاء لفرعون سلطته دنيوية و دينية ، فالفراعنة هم ظل الله فى الأرض و الكهنة هم مصدر التزكية و من يملك جواز المرور إلى العرش و لهم من أجل هذا الغرض إمتيازاتهم و أوقافهم التى تدر على معابدهم المال الوفير .
ثورة إخناتون فشلت بسبب تآمر الكهنة عليه فالدين كان عندهم تجارة رابحة ، فكل إقليم كان له مجموعة من الآلهة بمعابدها و كهنتها و أوقافها و كل الذى تغير من عصر أخناتون إلى عصر الألفية المصرية الثامنة هو تغير دين المصريين فقط مع أستمرار نفس دور رجال الدين الذين يدعمون هذا الفصيل و يعارضون الآخر بل إن الأمر وصل أن أحد الدعاة المشاهير قام بالتكبير هو و مريديه أحتفالاً بنتيجة أول أستحقاق أتى على هواهم بعد ثورة يناير .
كهنة هذا الزمان دعوا الثوار عدم الخروج على مبارك لأنه حاكم مسلم و شرعاً لا يجوز الخروج عليه كما دعى آخرين بمساندة مرسى و التكبير أحتفالاً برئاسته فهو أول ملتحى يتولى حكم البلاد و بين فتاوى هؤلاء و هؤلاء سقط الكثير نتيجة لآراء بشرية لا تحمل صفة الكمال و لكنها عند جانب غير قليل فى الشعب تحمل صفة القدسية الآلهية التى يجب أن تنفذ و تطاع و تسال من أجلها الدماء قرباناً للسماء !
فى جمعة الغضب حاول بعض الغوغاء إقتحام المتحف المصرى فمحتوياته غنيمة تسوى الملايين و ليس لها قدسية وطنية فالمقدس فى زماننا هذا أصبح دينياً فقط و من أجل تشكيل سلسلة بشرية تحول دونهم و بين هدفهم هرول العديد من الذين خرجوا للشارع من أجل مجتمع متحرر من قيود تتحكم فى مصيره منذ القدم ، هرولوا إلى المتحف من أجل ألا نفقد بعض ما تركه لنا الماضى البعيد و بأمل فى مستقبل قريب كماضينا الجميل و لكنهم للأسف لم يدركوا كلاهما و سقطوا شهداء ليلحقوا بجدهم الثائر إخناتون .