خذنى معك يا بنيامين

من فيلم المصير ليوسف شاهين

ربما حرارة هذا اليوم الصيفى زادت من ثورته التى كانت بلا سبب واضح إلا أن علاجها كان يكمن فى طلب صديقه بنيامين فوراً للحضور الذى كان على العهد دائماً ولم يتأخر كثيراً، أنحنى بنيامين بجسده النحيل وذراعه المعروقة سائلاً صديقه الذى يكبره بسنوات عن سبب ثورته مشعلاً سيجارة واضعاً فُمها فى فم صديقه النائم على أرض الغرفة التى قضى معظم أيام حياته بين الجلوس فى شرفتها لمطالعة الجرائد والتدخين أو داخلها للصلاة والتعبد حيث أنه يحفظ كتاب الله كاملاً عن ظهر قلب منذ سنوات دراسته فى الأزهر.

بضع دقائق من الحديث بين بنيامين المبتسم فى حضرة جاره وصديق العمل الذى طالما أرهقه رد الطامعين عنه بعد أن أغراهم أنصرافه عن متع الحياة والصلاة من أجل أن يرزقه الله الكفاف، بضع دقائق ثم خرج الجد بنيامين مهرولاً وعند سؤاله عن ما الذى أزعجه بكى وزاد لون شعره الرمادى من سخونة مشهد دموعه التى حفرت فى ذاكرتى من حينها إلى الآن، نزل الجد بنيامين الدرج سريعاً وكأنه يهرب فى مطاردة خفية لا يرى أحد لها أول من آخر إلا هو وصديقه الذى أتى ندائه من داخل غرفته عالياً متتالياً خذنى معك يا بنيامين!

لا أحد يعرف ما الذى أضحك عيون الجد بنيامين وما الذى أبكاها حتى الآن، لا أحد يعرف ما الذى دار بينه وبين صديقه حتى الآن ولكن الذى دار فى المجتمع من حينها حتى الآن تدمع له العيون دماً وليس حباً كعيون جدنا بنيامين، فلقد أصبح من الصعب جداً تكرار هذه القصة فى مثل زماننا هذا الذى لا نعيبه أبداً ولكن نعيب أنفسنا بعد أن أنحدرنا كثيراً جداً وأصبحنا أقل رقياً من سلفنا الصالح!

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>