علامات على الممر

كلما ثار الشعب المصرى من أجل نيل حقوقه الأساسية من حرية وكرامة ومساواة يتم تفريغ حراكه بفعل فاعل يلعب على مشاعره الدينية *ميدان عبد المنعم رياض ظهر 29 يناير 2011

قليلة هى اللحظات التى ترسل فيها لك الأماكن وأحداثها ومضات تضئ عقلك وتنحت فى ذاكرتك صورة عن حدث يعبر عن حال الوطن، صورة لها صوت ولون ورائحة تعبر عن مدى اللُحمة التى يتمتع بها عابريها وصورة أخرى ألوانها باهتة وأصواتها خافتة، لها رائحة حزن نبيل كتلك التى نحتها الأجداد على جدران المعابد والمقابر لتصور شئ من واقعهم الذى لا يتشابه مع واقعنا اليوم إلا فى شئ واحد ألا وهو أرتباط الواقع المصور بأماكن العبادة والمقابر والأستعداد ليوم الرحيل عن الوطن إلى العالم الآخر!

ما بين الشهور التى مرت على هذا الحدث المبهج والشهور التى تلتها أصبح المرور من نفس المكان غير مسموح للجميع إلا لأبناء الكنيسة فقط وأصبح الدخول إلى المكان الذى تجلت فيه السيدة العذراء يوماً ما يحتاج إلى شفيع، شهور مرت ما بين يوم زفاف إحداهن بالداخل وبهجة المدعوات المحجبات بالعرس وبين يوم آخر لفه الحزن والصلاة من أجل من رحل غدراً لملكوت السماء أثناء قداس أحد الأعياد، ما بين يوم كنت لا تعلم فيه دين من يمر بجوارك فى الكنيسة ويوم أصبح الدخول إليها يحتاج إلى إبراز هويتك الدينية أولاً، ما بين اليومين ضاع معنى الوطن بفعل فاعل!

أرجع بعض علماء الأجتماع ظاهرة تجلى العذراء إلى شعور المجتمع بأن السماء تعاقبهم ببعدهم عنها بالنكسة التى قضى فيها الآلاف من شباب الوطن فضلاً عن الأرض التى أحتلها العدو، ورغم وجهة النظر المعارضة للدفع بعقدة الذنب التى دحروها بقولهم أن الكنيسة تحولت لما يشبه الضريح فالبعض يزور المكان للدعاء مستشفعاً بالعذراء مثلما يزور آخرين ضريح موسى بن ميمون اليهودى وضريح السيدة زينب الشهيرة بأم العجائز معضدين دفعهم بمجموعة من الكراسى المتحركة والعجاجيز التى تخلى عنها أصحابها داخل الكنيسة بعد شفائهم!

بدأ معنى الوطن عند المصريين يتصارع مع معنى الدين منذ عقود قريبة مع صعود التيارات القومية، والتى دفع معارضيها بأن تقديس الوطن يجب أن يتوارى خلف قدسية السماء، قبل أن تعتمد السلطة على تأييد رجال الدين لدعم سلطتها الدنيوية، على العكس من المصريين القدماء الذى كان عندهم معنى الحفاظ على الوطن ضرورى للنجاة من جحيم الحياة الآخرة فلقد كانت من الكبائر أن يلوث المصرى القديم نهر النيل، فلقد كان تقديس الوطن وخيراته من الثوابت العقائدية عند المصريين القدماء!

علامات على الممر المسمى بالوطن الذى تناسى الكثير من أبنائه فى لحظة إستثنائية أنتمائاتهم الدينية عندما شعروا بالخوف عليه، يوم مر سريعاً بعلاماته التى نحتها على جدران ذاكرة هذا الوطن الذى يعانى من جحود الأبناء وطمع الأعداء، أنه يوم 30 يونيو!

Submit comment

Allowed HTML tags: <a href="http://google.com">google</a> <strong>bold</strong> <em>emphasized</em> <code>code</code> <blockquote>
quote
</blockquote>