أستلقيت على نفس السرير الذى مل من جسدى النحيل داخل نفس الغرفة الضيقة التى أكلت الرطوبة طلائها وسكنت الأتربة أركانها وكأن قدرى أن تعيش رائحة أيام الخماسين معى كل ليلة لتذكرنى باليوم الذى أمضيته معك كاملاً رغم الطقس العاصف والمترب فى أحد أيام ربيعنا الملتهب، عندما أدخل الجنة سأطلب أن تكون حوريتى لها نفس صورتك وصوتك وقلبك فلا أمل يا حبيبتى أن تكونى معى، هكذا خبرنى شيخى سامحه الله على نظراته لى التى كادت أن تقتلنى عند جوابه على سؤالى الذى أظن أنه كشف له سرنا!
دخلت متعجلاً إلى الكنيسة وقد نال منى العطش والحر رغم أيام ديسمبر الذى أراد أن يذكرنى بأيامى الخوالى، بحثت عيناى عنك فى الداخل كثيراً ليتضايق منى العجوز الجالس إلى جوارى والذى يبدو أننى أخرجته من حالة الخشوع بكثرة تململى ونظراتى الحائرة بين السيدات فنظر إلى غاضباً قبل أن تمتد يدك إلى لتخلع قلبى من مستقره، لن أنسى أبداً لومك لى لأننى نسيت ملمس يدك ولن أخبرك بما قاله لى المصلى العجوز هامساً أنه يرجع سبب عدم شعورى بالأمان هو مشاهدته لصورتى داخل عينيك الحزينتين!
أستيقظت من نومى مبكراً كما أمرنى الشيخ العاشق الذى أقرضه أهل الخير مالاً لا أمل لهم فى رده من أجل أن يتزوج من المرأة التى عشقها، لم أنظر حتى نظرة وداع لغرقتى الصغيرة فكل ما دار فيها يزعجنى كثيراً اللهم إلا بعض الأحلام التى أتتنى على فترات متباعدة أثناء نومى الذى غالباً ما يكون مجرد ساعات أغيب فيها عن الحياة الدنيا وأعود بعدها غير متذكر لأحلامى وما دار فيها فلا شئ جميل يدور حتى فى نومى إلا الساعة التى كلما دارت قربتنى أكثر من النهاية التى طالما أنتظرتها كثيراً.
أخيراً وصلت إلى الكنيسة التى حددها لى شيخى منهكاً من طول الطريق الذى قطعته سيراً على الأقدام كما أمرنى، مررت من البوابة بسلام حيث يقف بضعة جنود وظباط للحراسة خصوصاً فى مثل هذا الوقت حيث تكثر الأعياد والصلوات، تفقدت المكان سريعاً فى الداخل لأجدك تجلسين كما رأيتك فى الليلة السابقة ونفس العجوز يصلى بخشوع وقلبى الذى أنخلع ثانية بعد أن رأتنى عينك بعد كل هذه السنوات، أستدرت وهممت بالرجوع لأجد الحراس وقد أطلقوا نارهم على جسدى الذى أنفجر حزامه الناسف سمعاً وطاعة!
والآن أين أنت وأين أنا؟ هذا فى علم الغيب! غير أن أهلك وأهلى يحتفلون بدخولنا الجنة مرتدين أزهى ملابسهم البيضاء!
